فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن جبير قال: سألت عن المتلاعنين أيفرق بينهما؟ فقال: سبحان الله! نعم.. إن أول من سأل عن ذلك فلان ابن فلان قال: يا رسول الله أرأيت الرجل يرى امرأته على فاحشة فإن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك؟ فسكت فلم يجبه فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به فأنزل الله هذه الآية في سورة النور {والذين يرمون أزواجهم} حتى بلغ {أَن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} فبدأ بالرجل فوعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقال: والذي بعثك بالحق ما كذبتك. ثم ثنى بالمرأة فوعظها وذكرها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقالت: والذي بعثك بالحق أنه لكاذب. فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عمر قال: كنا جلوسًا عشية الجمعة في المسجد فجاء رجل من الأنصار فقال: أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلًا فقتله قتلتموه، وإن تكلم جلدتموه، وإن سكت سكت على غيظ، والله لئن أصبحت صالحًا لأسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسأله فقال: يا رسول الله أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلًا فقتله قتلتموه وإن تكلم جلدتموه، وإن سكت سكت على غيظ. اللهم احكم. فنزلت آية اللعان فكان ذلك الرجل أول من ابتلى به.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن منذر والطبراني عن سهل بن سعد قال: جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا فقتله أيقتل به؟ أم كيف يصنع؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل فلقيه عويمر فقال: ما صنعت؟ فقال: إنك لم تأتني بخير، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب المسائل فقال: والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأسألنه، فأتاه فوجده قد أنزل عليه.. فدعا بهما، فلاعن بينهما قال عويمر: أن انطلق بها يا رسول الله لقد كذبت عليها، ففارقها قبل أن يخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت سنة المتلاعنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبصروها فإن جاءت به أسحم أدعج العينين، عظيم الاليتين، فلا أراه إلا قد صدق وإن جاءت به أحمر كأنه وحرة، فلا أراه إلا كاذبًا. فجاءت به على النعت المكروه».
واخرج أبو يعلى وابن مردويه عن أنس قال: لأوّل لعان كان في الإِسلام أن شريك بن سحماء رماه هلال بن أمية بامرأته، فرفعته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربعة شهود، وإلا فحد في ظهرك. فقال: يا رسول الله إن الله ليعلم أني لصادق، ولينزلن الله ما يبرىء ظهري من الجلد. فأنزل الله آية اللعان {والذين يرمون أزواجهم} إلى آخر الآية فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا. فشهد بذلك أربع شهادات بالله، ثم قال له في الخامسة: لعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا. ففعل. ثم دعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قومي فاشهدي بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماك به من الزنا. فشهدت بذلك أربع شهادات، ثم قال لها في الخامسة وغضب الله عليك إن كان من الصادقين فيما رماك به من الزنا. قال: فلما كان في الرابعة أو الخامسة سكتت سكته حتى ظنوا أنها ستعترف. ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت على القول، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال: انظروا فإن جاءت به جعدًا أخمش الساقين، فهو لشريك بن سحماء، وإن جاءت به أبيض سبطًا، قصير العينين، فهو لهلال بن أمية، فجاءت به آدم جعدًا أخمش الساقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا ما نزل فيهما من كتاب الله لكان لي ولها شأن».
وأخرج النسائي وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلًا من الأنصار من بني زريق قذف امرأته، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فرد ذلك عليه أربع مرات. فأنزل الله آية الملاعنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين السائل قد نزل من الله أمر عظيم؟ فأبى الرجل إلا أن يلاعنها، وأبت ألا تدرأ عن نفسها العذاب. فتلاعنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما تجيء به أصفر أخمش مفتول العظام فهو للملاعن، واما تجيء به أسود كالجمل الأورق فهو لغيره» فجاءت به أسود كالجمل الأورق، فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله لعصبة أمه وقال: «لولا الآيات التي مضت لكان فيه كذا وكذا».
وأخرج البزار عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: لو رأيت مع أم رومان رجلًا ما كنت فاعلًا به؟ قال: كنت- والله- فاعلًا به شرًا قال: فأنت ياعمر؟ قال: كنت- والله- قاتله فنزلت {والذين يرمون أزواجهم} قلت: رجال إسناده ثقات إلا أن البزار كان يحدث من حفظه فيخطىء. وقد أخرجه ابن مردويه والديلمي من هذا الطريق وزاد بعد قوله كنت قاتله قال: فأنت يا سهيل بن بيضاء قال: كنت أقول لعن الله الأبعد فهو خبيث، ولعن الله البُعْدَى فهي خبيثة، ولعن الله أوّل الثلاثة أخبر بهذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تأوّلت القرآن يا ابن بيضاء {والذين يرمون أزواجهم} وهذا أصح من قول البزار فنزلت.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن زيد بن نفيع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: أرأيت لو وجدت مع أهلك رجلًا كيف كنت صانعًا؟ قال: إذًا لقتلته. ثم قال لعمر.. فقال مثل ذلك. فتتابع القوم على قول أبي بكر وعمر. ثم قال لسهيل بن البيضاء.. قال: كنت أقول لعنك الله فأنت خبيثة، ولعنك الله فأنت خبيث، ولعن الله أول الثلاثة منا يخرج هذا الحديث. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تأوّلت القرآن يا ابن البيضاء لو قتله قتل به، ولو قذفه جلد، ولو قذفها لاعنها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {والذين يرمون أزواجهم} قال: هو الرجل يرمي زوجته بالزنا {ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} يعني ليس للرجل شهداء غيره أن امرأته قد زنت، فرفع ذلك إلى الحكام فشهادة أحدهم- يعني الزوج- يقوم بعد الصلاة في المسجد فيحلف أربع شهادات بالله ويقول: أشهد بالله الذي لا إله إلا هو أن فلانة- يعني امرأته- زانية. والخامسة أن لعنة الله عليه- يعني على نفسه- إن كان من الكاذبين في قوله. ويدرأ يدفع الحكام عن المرأة العذاب- يعني الحد- أن تشهد أربع شهادات بالله أنه- يعني زوجها- لمن الكاذبين. فتقوم المرأة مقام زوجها فتقول أربع مرات أشهد بالله الذي لا إله إلا هو أني لست بزانية، وإن زوجي لمن الكاذبين. والخامسة أن غضب الله عليها- يعني على نفسها- إن كان زوجها من الصادقين.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين} قال: فإن هي اعترفت رجمت، وإن هي أبت يدرأ عنها العذاب قال: عذاب الدنيا {أن تشهد أربع شهادات بالله إِنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين}. ثم يفرق بينهما وتعتد عدة المطلقة.
وأخرج عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب قال: لا يجتمع المتلاعنان أبدًا.
وأخرج عبد الرزاق عن علي وابن مسعود. مثله.
وأخرج عبد الرزاق عن الشعبي قال: اللعان أعظم من الرجم.
وأخرج عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب قال: وجبت اللعنة على أكذبهما.
وأخرج البزار عن جابر قال: ما نزلت آية التلاعن إلا لكثرة السؤال.
وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة قال: لما نزلت هذه الآية قال سعد بن عبادة: إني لو رأيت أهلي ومعها رجل أنتظر حتى آتي بأربعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. قال: والذي بعثك بالحق لو رأيته لعاجلته بالسيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الأنصار اسمعوا ما يقول سيدكم أن سعدًا لغيور، وأنا أغير منه، والله أغير مني».
وأخرج ابن ماجة وابن حبان والحاكم وابن مردويه عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية الملاعنة «أيما امرأة أدخلت على قوم ما ليس منهم فليست من الله في شيء، ولن يدخلها الله جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة، وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ}:
في رفع {أنفسهم} وجهان، أحدُهما: أنه بدلٌ مِنْ {شهداء} ولم يذكر الزمخشري في غضونِ كلامِه غيرَه. والثاني: أنه نعتٌ له، على أنَّ {إلاَّ} بمعنى {غير}. قال أبو البقاء: ولو قرئ بالنصبِ لجاز على أن يكونَ خبرَ كان، أو منصوبًا على الاستثناء. وإنما كان الرفعُ هنا أقوى؛ لأنَّ {إلاَّ} هنا صفةٌ للنكرةِ كما ذَكْرنا في سورة الأنبياء. قلت: وعلى قراءةِ الرفعِ يُحتمل أَنْ تكونَ كان ناقصةً، وخبرُها الجارُّ، وأَنْ تكونَ تامةً أي: ولم يُوجَدْ لهم شهداءُ.
وقرأ العامَّةُ {يكن} بالياءِ من تحتُ، وهو الفصيحُ؛ لأنه إذا أُسْنِد الفعلُ لِما بعدَ {إلاَّ} على سبيلِ التفريغ وَجَبَ عند بعضِهم التذكيرُ في الفعل نحو: ما قام إلاَّ هندٌ ولا يجوز: ما قامَتْ، إلاَّ في ضرورة كقوله:
وما بَقِيَتْ إلاَّ الضلوعُ الجَراشعُ

أو في شذوذٍ كقراءةِ الحسنِ: {لا ترى إلاَّ مَساكنُهم} وقرئ {ولم تَكُنْ} بالتاءِ من فوقُ وقد عَرَفْتَ ما فيه.
قوله: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} في رفعِها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أن يكونَ مبتدأ، وخبرُه مقدرُ التقديمِ أي: فعليهم شهادة، أو مُؤَخَّرهُ أي: فشهادة أحدِهم كافيةٌ أو واجبةٌ. الثاني: أن يكون خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي: فالجوابُ شهادةُ أحدِهم. الثالث: أن يكونَ فاعلًا بفعلٍ مقدرٍ أي: فيكفي. والمصدرُ هنا مضافٌ للفاعلِ.
وقرأ العامَّةُ {أربعَ شهاداتٍ} بالنصبِ على المصدر. والعاملُ فيه {شهادة} فالناصبُ للمصدرِ مصدرٌ مثلُه، كما تقدَّم في قوله: {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا} [الإسراء: 63]. وقرأ الأخَوان وحفصٌ برفع {أربع} على أنها خبرُ المبتدأ، وهو قوله: {فشهادة}.
ويتخرَّجُ على القراءاتين تعلُّقُ الجارِّ في قوله: {بالله} فعلى قراءةِ النصبِ يجوزُ فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ يتعلَّقَ بشهادات؛ لأنه أقربُ إليه. والثاني: أنه متعلِّقٌ بقوله: {فشهادةُ} أي: فشهادةُ أحدِهم بالله. ولا يَضُرُّ الفصلُ ب {أربع} لأنها معلومةٌ للمصدرِ فليسَتْ أجنبيةً. والثالث: أن المسألةَ من باب التنازعِ؛ فإنَّ كلًا مِنْ شهادة وشهادات تَطْلُبه من حيث المَعنى، وتكون المسألةُ من إعْمال الثاني للحَذْفِ من الأول، وهو مختار البصريين. وعلى قراءةِ الرفعِ يتعيَّن تَعَلُّقُه بشهادات؛ إذ لو عَلَّقْتَه بشهادة لَزِمَ الفصلُ بين المصدرِ ومعمولِه بالجرِّ، ولا يجوزُ لأنه أجنبيٌّ. ولم يُختلفْ في {أربع} الثانية وهي قوله: {أَنْ تَشْهد أربعَ شهاداتٍ} أنها منصوبةٌ للتصريح بالعاملِ فيها. وهو الفعلُ.
{وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)}.
قوله: {والخامسة}: اتفق السبعةُ على رفع الخامسة الأولى، واختلفوا في الثانية: فنصبها حفصٌ، ونَصَبهما معًا الحسنُ والسلمي وطلحة والأعمش. فالرفعُ على الابتداءِ، وما بعده مِنْ {أنَّ} وما في حَيِّزها الخبرُ. وأمَّا نصبُ الأولى فعلى قراءةِ مَنْ نصبٍ {أربعَ شهادات} يكون النصبُ للعطفِ على المنصوبِ قبلها. وعلى قراءةِ مَنْ رَفَعَ يكونُ النصبُ بفعلٍ مقدرٍ أي: ويَشْهَدُ الخامسةَ. وأمَّا نصبُ الثانيةِ فعطفٌ على ما قبلَها من المنصوبِ وهو {أربع شهادات}. والنصبُ هنا أقوى منه في الأولى لقوةِ النصبِ فيما قبلَها كما تقدَّم تقريرُه: ولذلك لم يُخْتَلَفْ فيه. وأمَّا {أنَّ} وما في حَيِّزها: فعلى قراءةِ الرفعِ تكونُ في محلِّ رفعٍ خبرًا للمبتدأ كما تقدَّم، وعلى قراءةِ النصبِ تكونُ على إسقاطِ الخافضِ، ويتعلَّقُ الخافضُ بذلك الناصبِ للخامسةِ أي: ويشهد الخامسةَ بأنَّ لعنةَ الله وبأنَّ غضبَ اللهِ. وجَوَّز أبو البقاء أن يكونَ بدلًا من الخامسة.
قوله: {أَنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ} قرأ العامَّةُ بتشديد {أنَّ} في الموضعين. وقرأ نافعٌ بتخفيفها في الموضعين، إلاَّ أنه يقرأ {غَضِبَ اللهُ} بجَعْلِ {غَضِبَ} فعلًا ماضيًا، والجلالة فاعلَه. كذا نقل الشيخ عنه التخفيفَ في الأولى أيضًا، ولم ينقُلْه غيره. فعلى قراءتِه يكون اسمُ {أنْ} ضميرَ الشأنِ في الموضعين، و{لعنةُ الله} مبتدأ و{عليه} خبرُها. والجملةُ خبرُ {أنْ}. وفي الثانية يكون {غضِبَ الله} جملةً فعليةً في محل خبر {أنْ} أيضًا، ولكنه يقال: يلزمُكم أحدُ أَمْرَيْن، وهو إمَّا عَدَمُ الفصلِ بين المخففةِ والفعلِ الواقعِ خبرًا، وإمَّا وقوعُ الطلبِ خبرًا في هذا البابِ وهو ممتنعٌ. تقريرُ ذلك: أنَّ خبرَ المخففةِ متى كان فعلًا متصرفًا غير مقرونٍ ب {قد} وَجَبَ الفصلُ بينهما. بما تقدَّم في سورة المائدة. فإنْ أُجيب بأنه دعاءٌ اعتُرِض بأنَّ الدعاءَ طلبٌ، وقد نَصُّوا على أنَّ الجملَ الطلبيةَ لا تقع خبرًا ل {إنَّ}. حتى تأوَّلوا قولَه:
إنَّ الرِّياضةَ لا تُنْصِبْك للشَّيْبِ

وقوله:
إنَّ الذينَ قَتَلْتُمْ أمسِ سَيِّدَهُمْ ** لا تَحْسَبوا ليلَهم عن ليلِكم ناما

على إضمارِ القول. ومثلُه {أَن بُورِكَ مَن فِي النار} [النمل: 8]. وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة والسلميُّ وعيسى بتخفيف {أنْ} و{غَضَبُ الله} بالرفع على الابتداء، والجارُّ بعدَه خبرُه. والجملةُ خبرُ {أنْ}.
وقال ابنُ عطية: وأنْ الخفيفةُ على قراءة الرفعِ في قوله: {أَنْ غَضِبَ} وقد وليها الفعلُ. قال أبو علي: وأهلُ العربيةِ يَسْتَقْبِحون أَنْ يليَها الفعلُ إلاَّ بأَنْ يُفْصل بينها وبينه بشيء نحو قوله: {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ} [المزمل: 20] {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ} [طه: 89] فأمَّا قولُه: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ} [النجم: 39] فذلك لقلةِ تمكُّنِ ليس في الأفعال. وأمَّا قولُه: {أَن بُورِكَ مَن فِي النار} {بُوْرِكَ} في معنى الدعاء فلم يَجىءْ دخولُ الفاصلِ لئلا يَفْسُدَ المعنى. قلت: فظاهرُ هذا أنَّ {غَضِبَ} ليس دعاءً، بل هو خبرٌ عن {غَضَِبَ الله عليها} والظاهرُ أنه دعاءٌ، كما أنَّ {بُورك} كذلك. وليس المعنى على الإِخبارِ فيهما فاعتراضُ أبي علي ومتابعةُ أبي محمد له ليسا بمَرْضِيَّيْنِ.
قوله: {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله}: جوابُ {لولا} محذوفٌ أي: لَهَلَكْتُمْ. اهـ.